قطاع غزة – تاريخ وحكايات صمود

قطاع غزة، ذلك القطاع الذي يقضُّ مضجع إسرائيل منذ احتلاله إلى يومنا هذا، هو حكاية وطن مسلوب، وشعبٍ قابعٍ تحت وطأة الظلم والاستبداد، عانى ولا زال يعاني من القصف والعدوان على أراضيه والتهجير الممنهج لشعبه، بهدف تغيير ديمغرافيته وتحويله إلى أرض صهيونية، وكي لا ننسَ قضيتنا الأولى كمسلمين في تحرير فلسطين، واسترجاعها عربية، وكي نكتبها وصيةً لأجيالنا القادمة، لا بُدَّ من أن نعرفهم على تاريخ مدينة غزة، وكفاح وصمود أهل قطاع غزة خاصة وفلسطين عامة.

خارطة قطاع غزة
خارطة قطاع غزة

الموقع الجغرافي لقطاع غزة

يقع قطاع غزة جنوبي غرب فلسطين، ويكون على شكل شريط ضيق ممتد في المنطقة الجنوبية من ساحل فلسطين على البحر المتوسط شمال شرق شبه جزيرة سيناء، ويشكل تقريبا 1.33% من مساحة فلسطين التاريخية الممتدة من النهر إلى البحر.

يمتد القطاع على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً، بطول يبلغ 41 كيلومتراً، وعرض يتراوح ما بين 6 إلى 12 كيلومتراً، وتحده إسرائيل شمالاً وشرقاً، والبحر الأبيض المتوسط غرباً، ومصر من الجنوب الغربي.

اكتسب القطاع اسمه من مدينة غزة، التي تعتبر أكبر مدنه، والتي تأتي في المرتبة الثانية من حيث المساحة بعد مدينة القدس، ويشكل القطاع مع الضفة الغربية نواة الدولة الفلسطينية الموعودة التي تفاوض على إقامتها السلطة الفلسطينية منذ أكثر من 15 عاماً، (وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو 1967).

التعداد السكاني لقطاع غزة

وفقاً للإحصائيات التقديرية المقدمة من قبل الإدارة العامة للأحوال المدنية في وزارة الداخلية بغزة، بلغ عدد السكان مع نهاية العام 2022 في قطاع غزة مليونين و375 ألفاً و259 نسمة، بنسبة 50.7% من الذكور أي ما يقارب الـ (مليون و 204 آلاف و986 نسمة)، ونسبة إناث 49.3 % أي ما يقارب الـ ( مليون و170 ألفا و273 نسمة )، وأغلب سكان قطاع غزة من لاجئي حرب 1948، حيث أن معدل الكثافة السكانية يبلغ 26400 مواطن/كم مربع، والكثافة السكانية في مخيمات اللاجئين تبلغ 55500 مواطن/كم مربع، ويتوزع السكان ضمن مدن القطاع كالتالي:

  • العدد الأكبر من السكان في مدينة غزة ( 893 ألفاً و932 نسمة ).
  • محافظة خان يونس جنوب القطاع في المرتبة الثانية ( 463 ألفا و744 نسمة ).
  • المرتبة الثالثة احتلتها محافظة شمال غزة ( 388 ألفا و977 نسمة ).
  • حلت المحافظة الوسطى في المرتبة الرابعة ( 331 ألفا و945 نسمة ).
  • وكانت المرتبة الخامسة من نصيب محافظة رفح ( 296 ألفا و661 نسمة ).

يعتبر قطاع غزة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، بحيث يتألف هذا القطاع من 44 تجمع سكاني، من ضمنها:

  • غزة
  • رفح
  • خان يونس
  • النصيرات
  • بني سهيلا
  • جباليا
  • دير البلح
  • الزوايده
  • المصدر
  • خزاعة
  • عبسان الكبيرة
  • عبسان الجديدة
  • بيت لاهيا
  • بيت حانون
  • البريج

تاريخ قطاع غزة

كان قطاع غزة خاضعاً لسلطة الانتداب البريطاني على فلسطين حتى عام 1948، وهو التاريخ الذي كان مقرراً أن يتم فيه عودة القطاع إلى الأراضي الفلسطينية وفقاً لخطة تقسيم فلسطين، لكن هذه الخطة لم تطبق وفقدت فعاليتها مع تداعيات حرب 1948.

وفي الفترة التاريخية الممتدة من عام 1948 إلى العام 1956 خضع القطاع لحكم عسكري مصري، من بعدها قام الجيش الإسرائيلي باحتلاله لمدة 5 أشهر في هجوم العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ليعود وينسحب منه في عام 1957، فعاد القطاع مجدداً إلى الحكم المصري.

وفي حرب 1967 احتل الجيش الإسرائيلي القطاع مرة أخرى مع شبه جزيرة سيناء، وبقي خاضعاً لحكم السلطة الإسرائيلية إلى عام 2005، حيث قامت إسرائيل بالانسحاب منه وإخلاء المستوطنات التي كانت قائمة على أرض غزة.

ووفقاً لاتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، أصبح قطاع غزة مشمولاً بالحكم الذاتي، واستمر بذلك إلى أن سيطرت عليه حماس فيما بعد بتاريخ 14 حزيران 2007 في إطار الصراع الداخلي الفلسطيني.

أبرز الهجمات العدوانية لإسرائيل على قطاع غزة

أحد المشاهد من قصف الاحتلال الإسرائلي لمدن قطاع غزة
أحد المشاهد من قصف الاحتلال الإسرائلي لمدن قطاع غزة

تلت الفترة التي أصبح فيها قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس العديد من الحملات والهجمات العدوانية الإسرائيلية على القطاع، التي راح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى، والتي خلفت الكثير من الدمار والخراب، وبالمقابل كانت تلاقي في كل مرة رداً مبرحاً من الفصائل الفلسطينية المقاومة على أهداف إسرائيلية متنوعة.

  • في 27 كانون الأول عام 2008 شنت إسرائيل حرباً على قطاع غزة أطلقت عليها اسم “عملية الرصاص المصبوب”، لتردَّ عليها المقاومة الفلسطينية في القطاع بعملية سمتها “معركة الفرقان”.
  • في عام 2012 كانت الحرب الثانية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة وحملت اسم “عامود السحاب”، وردت حينها المقاومة الفلسطينية بمعركة أسمتها “حجارة السجيل”، وقد بدأت هذه الحرب في 14تشرين الثاني 2012 واستمرت 8 أيام.
  • وفي عام 2014 عادت إسرائيل لتبدأ عملية جديدة على قطاع غزة أطلقت عليها اسم “الجرف الصامد”، وبالمقابل قامت فصائل المقاومة بالرد عليها بمعركة سُميت “العصف المأكول”، واستمرت المواجهة 51 يوماً شن خلالها جيش الاحتلال أكثر من 60 ألف غارة على القطاع.
  • وفي صبيحة يوم 12 تشرين الثاني من عام 2019 استفاق أهالي غزة على دوي انفجار صاروخ كان قد أطلقته طائرة إسرائيلية مسيرة استهدفت فيه قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في غزة “بهاء أبو العطا” في شقته في مدينة غزة، مما أدى إلى استشهاده هو وزوجته.
  • بعد استيلاء المستوطنين على بيوت المقدسيين في حي الشيخ جراح، وبسبب اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، اندلعت معركة “سيف القدس” -التي سمتها إسرائيل “حارس الأسوار”.
  • وفي 5 آب من عام 2022 عادت إسرائيل لتغتال قائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في غزة، حيث استهدفته أيضاً بطائرة مسيرة داخل شقة سكنية في “برج فلسطين” بحي الرمال.

معابر قطاع غزة

يحتوي القطاع على سبعة معابر أساسية، كلها تقع تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي باستثناء معبر واحد، هو معبر رفح الذي يتحكم فيه المصريون من جهة مصر، وحركة حماس من جهة قطاع غزة.

وبشكل فعلي تشغل إسرائيل معبرين هما: كرم أبو سالم للبضائع، وبيت حانون (إيريز) لتنقل الأفراد (بين الضفة وغزة)، فيما يعمل معبر رفح بشكل متفاوت.

والمعابر السبعة هي:

1 – معبر رفح

هو معبر بري حدودي بين مصر وفلسطين يقع في جنوب قطاع غزة ، ويعتبر المعبر الوحيد الواصل بين غزة ومصر ويخضع للسلطات الفلسطينية والمصرية وهو مخصص لحركة الأفراد، إلى جانب تجهيزه لنقل البضائع.

قامت إسرائيل بتعطيل العمل في المعبر عدة مرات تحت حجج مختلفة، إلى أن تم التوصل إلى اتفاقية المعابر في عام 2005، وهي اتفاقية دولية شاركت فيها كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة والحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي، ونصات هذه الاتفاقية على أن تعمل الممرات بشكل مستمر، وعلى أن تسمح إسرائيل بتصدير المنتجات الزراعية من غزة، والعمل على تسريع إخراجها، مع المحافظة على جودتها وإبقائها طازجة، وأن تعمل إسرائيل أيضاً على استمرارية فرص التصدير.

2 – معبر بيت حانون “إيريز”

أهم المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل ويقع شمالي قطاع غزة، وهو بمثابة نقطة حدود بين إسرائيل وغزة، ويعتبر البوابة الوحيدة التي تمكن أهالي القطاع من الوصول إلى إسرائيل أو الضفة الغربية بشكل مباشر دون المرور عبر مصر ثم الأردن، أو العكس.

يضطر العابرون من هذا المعبر إلى السير على أقدامهم مسافة كيلومتر واحد، وسط إجراءات أمنية معقدة، يخضعون خلالها إلى فحص أمني دقيق، ومن بوابة هذا المعبر يتم إدخال الصحف والمطبوعات والرسائل الأخرى.

قامت إسرائيل بإغلاق هذا المعبر بشكل شبه كامل منذ سيطرة حماس، بحيث لم يعد يُسمح إلا لموظفي المؤسسات الأجنبية وبعض الشخصيات المهمة والتجار، وبعض الحالات الصحية بالمرور منه، وذلك بعد التنسيق مع الارتباط الإسرائيلي والحصول على التصاريح اللازمة لذلك.

3 – معبر المنطار “كارني”

يقع معبر المنطار شرق مدينة غزة ويخضغ لسيطرة إسرائيل، وهو من أهم المعابر في القطاع وأكبرها من حيث عبور السلع التجارية بين القطاع وإسرائيل.

تفرض إسرائيل رقابة شديدة على هذا المعبر، وتشترط تفتيشاً مزدوجاً لكل ما يمر عبره، فيقوم طرف فلسطيني بتفتيشه ثم تقوم شركة إسرائيلية متخصصة بتفتيشه أيضاً.

يعتبر هذا المعبر شريان الحياة بالنسبة لأهل غزة، فهو مخصص لتصدير البضائع واستيرادها من غزة وإليها، بحيث يمر عبره ما يقارب الـ 220 شاحنة يومياً، لكن ومنذ سيطرة حماس شهد المعبر إغلاقاً كاملا بوجه عمليات التصدير، أما في ما يتعلق بعمليات الاستيراد فقد صار العمل فيه محدوداً.

4 – معبر الشجاعية “ناحال عوز”

يقع هذا المعبر في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وتسيطر عليه إسرائيل، ويتم استخدامه لعبور الوقود نحو القطاع عبر أنابيب معدة لهذا الغرض، وتقوم إسرائيل بإغلاقه معظم الوقت.

5 – معبر العودة “صوفا”

يقع شرق مدينة رفح ، ويعد معبراً صغيراً مخصصاً للاستيراد فقط، وتحديداً مواد البناء، تسيطر عليه إسرائيل وتقوم بإغلاقه معظم الوقت.

6 – معبر كرم أبو سالم “كيرم شالوم”

يقع في رفح، عند نقطة الحدود المصرية الفلسطينية الإسرائيلية، وهو معبر مخصص للحركة التجارية بين القطاع وبين إسرائيل، تم استخدامه أكثر من مرة كبديل عن معبر رفح.

7 – معبر القرارة “كيسوفيم”

يقع شرق خان يونس ودير البلح، وهو معبر مخصص للتحرك العسكري الإسرائيلي، حيث تدخل منه الدبابات والقطع العسكرية كلما قررت إسرائيل اجتياح القطاع.

مخيمات قطاع غزة

يتوجد في قطاع غزة عدد من المخيمات للاجئين الفلسطينيين من أهمها:

  • مخيم جباليا (في شمال القطاع بين بلدتي جباليا وبيت لاهيا)
  • مخيم الشاطئ (في غربي مدينة غزة)
  • مخيم البريج (في وسط القطاع)
  • مخيم النصيرات (في وسط القطاع)
  • مخيم المغازي (في وسط القطاع)
  • مخيم دير البلح (في وسط القطاع)
  • مخيم الشابورة (في جنوبي القطاع قرب رفح)
  • مخيم خانيونس (في جنوبي القطاع قرب خانيونس)

أبرز قيادات قطاع غزة

من أبرز الشخصيات القيادية المؤثرة في حركة الجهاد والصمود والتي كان لها دور في بثِّ روح الرعب في إسرائيل، الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهو أحد أهم رموز العمل الوطني الفلسطيني في القرن الماضي، تم اغتياله من قبل الاحتلال الإسرائيلي بهجوم صاروخي فجر 22 مارس/آذار من عام 2004.

والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وهو أيضاً أحد مؤسسي حركة حماس ومن السياسين الفلسطينين الشرسين، كان قائداً للحركة في القطاع قبل اغتياله بصاروخ إسرائيلي استهدف سيارته في 17 أبريل/نيسان من عام 2004.

ومن أشهر قيادات حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة أيضاً نذكر: رمضان شلح أمين الحركة وزعيمها، وصلاح أبو حسنين الذي اغتيل في غارة إسرائيلية على رفح في يوليو/تموز 2014، وخضر حبيب، بالإضافة إلى العديد من اللشخصيات السياسية والعلمية والثقافية البارزة.

مدينة غزة

أحد المناظر من مدينة غزة
أحد المناظر من مدينة غزة

أبرز المدن الفلسطينية التي كُنِّي القطاع باسمها، وهي من أقدم المدن في العالم، تتمتع بمكانة تاريخية وحضارية مميزة، اكتسبت شهرة كبيرة بفضل موقعها الجغرافي الحيوي، الواقع على تقاطع قارتي آسيا وإفريقيا، هذا الموقع الذي منحها أهمية استراتيجية وعسكرية كبيرة، حيث تعتبر خط الدفاع الأول عن فلسطين المحتلة ومقراً للمؤسسات الحكومية داخل دولة فلسطين.

يُشتهر أن مدينة غزة جاء ذكرها في مخطوطة للفرعون تحتمس الثالث في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وأيضاً في رسائل تل العمارنة، وبعد حكم الفراعنة للمدينة لمدة 300 سنة، استوطنها الفلسطينيون عام 635م.

دخل المسلمون المدينة في العام نفسه، وأصبحت مركزاً إسلامياً مهماً، وامتازت باحتوائها على قبر الجد الثاني للنبي محمد (صلّى الله عليه وسلم)، كما أنها مسقط رأس الإمام الشافعي.

مدينة غزة هي مدينة ساحلية تقع في جنوب الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتبعد نحو 78 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من مدينة القدس، وتعد أكبر مدن القطاع، حيث يبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة وفق أخر إحصائية لعام 2023.

تاريخ مدينة غزة

أُسست مدينة غزة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد على يد الكنعانيين، واكتسبت مكانة اقتصادية عالية لأهمية موقعها الجغرافي، مما جعلها مطمعاً للغزاة، فقد احتلت عدة مرات من قبل الفراعنة والإغريق والرومان والبيزنطيين والعثمانيين والإنجليز، وفي عام 635 ميلادي دخل المسلمون إلى مدينة غزة.

خلال فترة الحملات الصليبية سيطر الأوروبيون على غزة، لكنها عادت إلى السيطرة الإسلامية بعد انتصار صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين عام 1187، وتطورت المدينة بشكل كبير تحت الحكم العثماني، وأسست أول مجلس بلديّ عام 1893.

بقيت مدينة غزة فترة من الزمن تنعم بحالة من الهدوء حتى سقطت في يد الغزو البريطاني أثناء الحرب العالمية الأولى، التي أدت إلى إحداث النكبة الفلسطينية عام 1948 م، وفي أعقابها تولت مصر إدارة القطاع فترة من الزمن لتقع فيما بعد رهينة الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967م، ودام هذا الاحتلال 27 عاماً عانت المدينة والمنطقة المحيطة بها أشد أنواع السلب والسيطرة والتشريد، حيث صادرت سلطات الاحتلال مساحات كبيرة من الأراضي في قطاع غزة، واستخدمتها لإقامة المستوطنات الإسرائيلية.

في عام 1987، شهدت مدينة غزة اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي شارك معظم سكان المدينة فيها بنشاطات احتجاجية ضد الاحتلال، وتصاعدت في هذه الفترة التوترات والمواجهات بين الشعب الفلسطيني والقوات الإسرائيلية، لتقوم إسرائيل على خلفيتها بإجراءات قمعية بحق الفلسطينيين، كإغلاق المدارس وحظر التجوال وشن حملات الاعتقال الجماعية.

في عام 1993جرى توقيع اتفاق بين رئيس وزراء إسرائيل ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، يقضي بانسحاب إسرائيل من مدينة غزة ومناطق أخرى في 1994.

وفي مايو من عام 1994 حدث انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من المدينة، وبدأت السلطة الفلسطينية في إدارتها، مع استمرار وجود بعض المستوطنات تحت السيطرة الإسرائيلية ضمن قطاع غزة، واستمر الوضع هكذا إلى أن انسحبت إسرائيل بالكامل من القطاع بقرار من رئيس الوزراء الإسرائيلي في عام 2005، بينما بقي قطاع غزة محاصراً براً وبحراً وجواً.

في عام 2007 اندلعت المناوشات بين حركتي “فتح” و”حماس”، وانتهت بسيطرة “حماس” على قطاع غزة بالكامل، مما أدى إلى تشديد الحصار على القطاع من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

وفي نوفمبر عام 2008، بدأت إسرائيل حملة عسكرية جديدة على قطاع غزة أسفرت عن وفاة الكثير من المدنيين، حيث حاصرت إسرائيل القطاع ومنعت إمدادات الكهرباء والوقود والأدوية، ولا زال الحصار مستمراً إلى يومنا هذا.

أهم المعالم في مدينة غزة

تحمل مدينة غزة عبقاً تاريخياً متميزاً يشكل جزءاً هاماً من تراث فلسطين والعالم العربي، حيث تعكس غزة بتاريخها المتنوع تأثير الحضارات المختلفة التي عاشت فيها وسادتها، وخلفت فيها العديد من المعالم المميزة التي بقيت شاهدة على عظمتها وعراقتها، ومن أهم هذه المعالم نذكر:

1- جامعة الأزهر في غزة

والتي تأسست عام 1991 لتكون مؤسسة تعليمية تلبي احتياجات الشعب الفلسطيني في مجال التعليم العالي، حيث بدأت جامعة الأزهر بكليتين فقط وهما كلية الحقوق وكلية التربية، ثم توسعت لتشمل كليات أخرى مثل الصيدلة والزراعة والعلوم والآداب الإنسانية، وأُنشئت كليات إضافية أخرى فيما بعد مثل كلية العلوم الطبية التطبيقية وكلية الطب.

2 – الجامع العمري الكبير

أقدم وأكبر مسجد في قطاع غزة، سُمي بهذا الاسم تكريماً للخليفة عمر بن الخطاب، وهو بناء قديم كان معبداً فلسطينياً ثم تحول إلى كنيسة بيزنطية، وبعد الفتح الإسلامي أصبح مسجداً، وصفه ابن بطوطة في القرن العاشر “بالمسجد الجميل”.

في زلزال عام 1033م تعرض المسجد لأضرار كبيرة، وجرى تحويله إلى كاتدرائية صليبية فترة من الزمن، ثم أُعيد بناؤه كمسجد في القرن الثالث عشر على يد المماليك، لكن جرى تدميره مرة أخرى بواسطة المغول في عام 1260م، ولكن سرعان ما أعيد بناؤه في ذلك الوقت.

في القرن السادس عشر أعاد العثمانيون بناء المسجد العمري الكبير، وذلك بعد مرور نحو 300 عام على وقوع الزلزال، لكن لم يلبث إلا وتضرر بالقصف البريطاني في الحرب العالمية الأولى، ليتم ترميمه من جديد عام 1925م.

3 – كنيسة الروم الأرثوذكس

هي عبارة عن مجموعة من الكنائس الأرثوذكسية الشرقية التي تأسست في العصور الأولى للمسيحية، والتي تستخدم تقاليدها ولغتها التقليدية باللغة اليونانية، ولا زالت محتفظة بتقاليدها الدينية والثقافية منذ ذلك الحين.

ترتبط هذه الكنائس بالتاريخ البيزنطي، وتُعدّ فرعاً من المسيحية الأرثوذكسية الشرقية، وخلال القرون الأولى للمسيحية، انتشرت اللغة اليونانية وأصبحت لغة الكتابة واللاهوت هي اللغة المنتشرة في هذه الكنائس، كما تأثرت بشكل كبير بالكنيسة القسطنطينية واعتمدت الكثير من طقوسها وتقاليدها.

4 – جامع السيد هاشم

هو واحد من أقدم المساجد في غزة، يقع في حي الدرج بالمدينة القديمة، بُني وأُسِّس على يد المماليك، ثم قام السلطان عبد المجيد العثماني بتجديده في عام 1830م.

تمَّ إقامة مدرسة ضمن جامع السيد هاشم من مال الوقف بواسطة المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في فلسطين، وقد تعرض هذا الجامع إلى أضرار بالغة من جراء القنبلة خلال الحرب العالمية الأولى، وجرى إصلاحه مرة جديدة من قبل المجلس الإسلامي الأعلى.

5 – متحف قصر الباشا

هو أحد القصور المتبقية في مدينة غزة والتي تدل على روعة فن العمارة الإسلامي بطابعه المميز ونقوشه الزخرفية، يقع في البلدة القديمة بحي الدرج في مدينة غزة، ويرجع بناؤه إلى العصر المملوكي في عهد السلطان الظاهر بيبرس عام (1260 – 1277م).

أُطلق عليه العديد من المسميات في ظل المراحل التاريخية التي مرت به، منها: قصر النائب في العهد المملوكي، وقصر آل رضوان خلال العهد العثماني، كما أطلق عليه اسم ( دار السعادة أو الدار العظيمة).

عند قيام الحملة الفرنسية أطلق عليه بعض العامة اسم “قلعة نابليون”)”، وذلك بسبب إقامة نابليون بونابرت فيه لمدة ثلاثة أيام، وفي أثناء الحكم البريطاني تم استخدام هذا القصر كمركز للشرطة وسمي حينها بـ “الدبويا”.

وفي زمن الإدارة المصرية كان القصر جزءاً من مباني مدرسة سُميت بـاسم “مدرسة الأميرة فريال”، وهي أخت الملك فاروق، ثم تغير اسم المدرسة إلى مدرسة الزهراء الثانوية للبنات.

وفي آخر المطاف تمَّ اعتباره من قبل وزارة السياحة والآثار معلماً أثرياً يجب المحافظة عليه، وأطلقت عليه اسم متحف قصر الباشا، ويتكون من بنائين منفصلين بينهما حديقة، مبنى الادارة ومبنى المتحف، وهو الجزء المخصص لعرض المقتنيات الأثرية، ويقع مدخل هذا القصر في الواجهة الجنوبية للمبنى الشمالي.

6 – الجامعة الإسلامية

الجامعة الإسلامية في غزة هي عبارة عن مؤسسة تعليمية مستقلة في فلسطين، تأسست عام 1978، بإشراف وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، وتهدف هذه الجامعة إلى تقديم تعليم ملتزم بالقيم الإسلامية، وتوفير بيئة أكاديمية تراعي ظروف الطلاب الفلسطينين، وتتعاون الجامعة مع الكثير من الجامعات العربية والأجنبية.

يقع حرم الجامعة الرئيسي في منطقة الرمال بمدينة غزة بالقرب من البحر، وللجامعة أفرع أخرى ضمن قطاع غزة، حيث يبلغ إجمالي عدد الطلاب في هذه الجامعة نحو 20 ألف طالب وطالبة، وتقدم الكثير من البرامج والدرجات الدراسية في مجموعة متنوعة من التخصصات.

7 – قلعة برقوق

يعود تاريخ هذه القلعة إلى عام 1387م، حيث بناها الأمير يونس بن عبد الله النورزي العبادلة بناءً على طلب من السلطان برقوق أحد سلاطين العصر العربي الإسلامي المملوكي ومؤسس دولة المماليك البرجية، لتكون مركزاً لراحة التجار والمسافرين في وسط الطريق بين دمشق والقاهرة والتزود بما يلزمهم من حاجيات، بالإضافةإلى الاحتماء من اللصوص وقطّاع الطرق من البدو والأغراب الذين كانوا يعترضون طريق المسافرين في هذه الحقبة.

تقع قلعة برقوق على مسافة 20 كم من الحدود الفلسطينية المصرية، وتتوسط مدينة “خان يونس” جنوب قطاع غزة، تبلغ مساحتها نحو ستة عشر دونماً، وتأخذ شكل مربع طول كل ضلع من أضلاعه 85.5 متر، وتتخذ زواياه أربع نقاط رئيسية من البناء تشير كل زاوية فيه إلى جهة من الجهات الأربعة.

تتألف القلعة من طابقين ومسجد للصلاة يقع على يسار البوابة الرئيسية ويتكون من طابقين: الأول عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل طولها عشرة أمتار وعرضها ثمانية أمتار، وسقفه يتكون من حجارة صغيرة غير منتظمة مثبتة جيداً بالملاط، وللمسجد بوابتان، بحيث يوجد لكل بوابة عتبة رخامية كما يوجد نص منقوش ومحفور في المبنى بين المدخلين، أما الطابق العلوي فيكاد يكون كله مهدماً.

تقع مئذنة المسجد على يمين البوابة الرئيسية بدرج يؤدي إليها وهي على نفس مستوى الجدار ذي الفتحات والواقع على سطح القلعة والذي يحتوي على فتحات لإطلاق القذائف، أما قاعدة المئذنة فهي مربعة الشكل وعليها مبنى القسم الرئيسي من المئذنة.

8 – مقام الخضر

هو مقام يقع وسط مدينة دير البلح في قطاع غزة، على بعد 200م في الشمال الشرقي لمركز المدينة، حيث يوجد في أسفل هذا المقام دير القديس هيلاريون أو “هيلاريوس” 278 – 372م الذي يعود إلى القرن الثالث الميلادي وهو أقدم دير لا يزال قائماً في فلسطين.

يُذكر أن مبنى مقام الخضر يأخذ شكل عناقيد مصلبة تذكر بفن العمارة الصليبي، كما توجد في المكان نفسه بعض النقوش اليونانية والتيجان الكورنثية والأعمدة الرخامية، الأمر الذي يؤكد بناء مقام الخضر فوق الدير الصليبي، وتذكر بعض الروايات أن اسم المقام منسوب إلى القديس “جورجس”، وتعني هذه الكلمة “الخضر” باللغة العربية.

الزراعة في مدينة غزة

اشتهرت مدينة غزة بزراعة الزهور وتصديرها، وأيضاً اشتهرت قديماً بزراعة محاصيل متنوّعة كالقطن، والشعير، والقمح، وتصديرها إلى الخارج، ومن أهم المزروعات التي يزرعها سكان مدينة غزة: البندورة، والبطاطا، والعنب، والخيار، والشمام، والفراولة، والتين، والبطيخ، كما انتشرت فيها زراعة بيارات الحمضيات كالليمون والبرتقال.

الصناعة في مدينة غزة

أهم وأقدم الصناعات التي تُشتهر بها مدينة غزة هي صناعة الفخار، وكذلك صناعة الغزل، والبسط التراثية المعمولة من صوف الماشية، والتطريز، وصناعة الزجاج الملوّن، إضافة إلى صناعة عصر الزيتون، وتصنيع الصابون من زيت الزيتون.

السياحة في مدينة غزة

تمتاز مدينة غزة بجوٍ معتدلٍ صيفاً وشتاءً مما يشجع الناس على التوجه إلى شواطئها بشكل أساسي والتمتع بطبيعتها الخلابة، فضلاً عن المواقع الأثرية والتاريخية الموجودة في مدينة غزة، والتي تعود إلى الفترة الرومانية والمسيحية، كما تمتاز بوجود الآثار الإسلامية المتنوعة كالمساجد والأسبلة والزوايا والأسواق والحمامات والقصور.

وفي الختام فإنَّ قطاع غزة ليس مجرد قطعة أرض، بل هو تاريخ لحضارة غارقة في القدم، وعنوان لصبر وصمود وكفاح لا يعرف السكينة أو الهوان، هو حكاية شعب عشق الشهادة، وحفر لنفسه في تراب وطنه جذوراً لا يمكن اقتلاعها إلا بالموت.

ومن ضمن سلسلة مواضيعنا الثقافية نعرض لكم

You might also like